×
العطلة النافعة كيف يستفيد الأطفال من الإجازة الصيفية؟

العطلة النافعة، كيف يستفيد الأطفال من الإجازة الصيفية-د.فريد الأنصاري

أما بعد فان أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد، فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه وارضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما عبد عند ربه يوم القيامة حتى يُسال عن أربع، عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله مما اكتسبه وفيما وضعه، وفي رواية فيما أنفقه، وعن عِلمه ما عمل فيه”. رواه الامام الترمذي وقال حديث حسن صحيح ورواه الدارمي.

حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الذي يجعل الانسان يوم القيامة مرهونا بهذه الأسئلة الأربعة، لا ينفك عن الحساب المعروض بين يدي ربه يوم القيامة حتى يجيب عن كل واحدة منها:

  1. أولها الزمان (العمر والوقت) الذي هو حقيقة وجودنا، وما وُجودنا إلا لحظات، بداية ونهاية، عن عمره فيما افناه.
  2. عن هذا البدن الآلة التي وضعت فيها نفسك ونفخ فيها روحك، هل وظفته فعلا فيما خلق له؟ لأن الله ما خلق البدن هكذا عبثا، ولكنه خلقه لحمل أمانة لأداء وظيفة، ففيما ابليت هذا الجسد؟ ومن عُمِّر، أي من طال عمره، بلي بدنه ﴿ومن نعمره ننكسه في الخلق﴾، فأنت اذ تعيش اليوم بعد اليوم تبلي جسدك أي أنك تهلكه في الزمان، فينخره المرض أو الهرم في نهاية المطاف، ففي أي أعمال أمضيت هذا البدن؟ أفي تناول الشهوات والملذات أم في عمل الطاعات؟
  3. المال بعد ذلك، الذي هو قوام الحياة والذي هو العصب الذي به تتحرك الحياة الاجتماعية والعمران البشري في الأرض. رزقك الله رزقا فكيف تسببت أنت إلى هذا الرزق؟ هل تسببت إلى المال بأسباب الحلال المشروعة أم تسببت إليه بأسباب الحرام الممنوعة؟ ثم بعد ذلك الانفاق، فهل سلطته على هلكته في الخير وانفقت في وجوه المصالح الدنيوية والأخروية؟ أم أنك عِثت به فسادا في الارض واستكبرت به على الخلق وطغيت وتجبرت؟
  4. العلم الذي اعطاك الله، وما من شخص الا وقد رزقه الله علما قل أو كثر، اقله ما يسمى عند علماء الاسلام بالمعلوم من الدين بالضرورة. ولا أحد من المسلمين يجهل اساسيات الدين التي هي أركان الاسلام الخمس وأركان الإيمان الست وما تفرع عن ذلك من عظائم الاعمال الخيرة وعظائم الاعمال الشريرة، فلابد ان لك حظا من العلم، ستسأل عن هذا العلم، ماذا عملت فيه؟ وعلى قدرك وعلى قدر زيادتك في العلم يزيد السؤال ويدق الحساب عافانا الله واياكم من مناقشة الحساب، فان من نوقش الحساب عذب، نعوذ بالله من عذابه.

نذكر هذا الحديث الرهيب، واليوم الناس مقبلون على صيف، والصيف معروف مناسبة لعطالة وبطالة مع الأسف قلما نحسن التصرف فيها، بل كثيرا ما نهدرها هدرا ونبذرها تبذيرا، نحن الكهول وكذلك الشباب مع الأسف. و الكيس فعلا من استطاع ان يغتنم هذه الفرص وخاصة طائفة الشباب والمراهقين، والآباء مخاطبون بهذا لأن الآباء هم اللذين يوفرون الظروف او لا لأبنائهم من أجل امضاء عطلة صيف نافعة، تعود على الانسان بالنفع في دينه وبدنه وثقافته وعقله ونفسه وشخصيته في نهاية المطاف. مؤسف جدا أن الانسان تمر عليه أعوام وسنوات فلا يتقدم بشيئا من حيث معلوماته و اخلاقه و تكوينه العام، ولكن ربما تأخر وربما تخرب وجدانه وكيانه بسبب ما ملأ وقت فراغه من الخراب. لأن المشكل هو ان خلال الصيف، بدل ما يترقى فيه الانسان فهو ينزل، وكثيرا ما يأتي الصيف بالفساد والخراب على كثير من الذكور والاناث، تكون فرصة لتفلت بكل معاني الكلمة على المستوى الروحي على المستوى الامني على المستوى الاجتماعي فاذا بالآباء يجدون ابنائهم في مطالع السنة الدراسية من شتنبر او اكتوبر شباب اخرين لا قيمة لهم ولا همة لهم، لأن الصيف أنهك كاهله النفسي، الصيف دمره. وكثير من الشباب يخوضوا تجارب سوداء في الصيف، تكون هي عاقبتهم السيئة إما بالدخول في عالم المخدرات أو الفساد أو الزنا أو غير ذلك من المصائب مما يدخلهم إلى معابد الشيطان الصيفية التي لا تدمر البدن وحسب ولكن الكيان الاجتماعي وشخصية الانسان. والعالم الآن يصب علينا كما ذكرت مرارا وتكرارا بوسائله المختلفة جام غضبه الشيطاني من أجل تدمير ونسف النسيج الاجتماعي الديني للأمة الإسلامية، فاذا لم يكن الآباء على وعي بهذا الامر وأننا نعيش حالة تدافع حضاري كبير ما سبق للامة أن خاضت مثله في تاريخها، بسبب ظروف العالم الجديدة التي عمت وطمت فتنها البلاد والعباد، فاذا لم نُحصن أنفسنا أولا وابنائنا ومحيطنا فإننا سنُمسي عرضة للابتلاع، يبتلعنا التنين الثقافي الغربي الذي لا يبقي ولا يذر ولا يترك بعد ذلك الا الرماد.

نحن مسؤولون إذا أن نفكر لأنفسنا ولأبنائنا معا، نجلس مع أولادنا تلاميذ نحن ايضا على مائدة واحدة استاذها كتاب الله جل وعلا. هذه المساجد مفتوحة الصيف والشتاء، لم لا يستغلها الناس لتحفيظ ابنائهم القران الكريم؟ وخاصة تدخل علينا جالية المغرب في الخارج التي يعاني أبناؤها صعوبات في اللغة العربية، ستكون فرصة مهمة جدا لاحتضان اولئك بهذه المساجد المفتوحة. وكل الناس والحمد لله عندهم مساجد في الأحياء، عَمِّروا هذه المساجد وكافأوا ذاك الفقيه المُدرس. الائمة الان في المساجد عندهم متسع من الوقت طيلة السنة، وَظفوهم في تعليم الابناء كتاب الله جل وعلا. تجد الأب عنده استعداد أن يصرف على أولاده الملايين في أشياء نافعة وفي بعض الاحيان في أشياء ضارة وفي أحسن الاحوال في أشياء من الكماليات، ولكن لا نملك استعداد نؤجر فقيه أو أستاذ ونزيده حوالة في الصيف حتى يعلمنا القرآن وما أدراك ما القرآن الذي لا يعادله ثمن. شيء جميل جدا إذا استطعنا ادخال الحماس في إمام المسجد ونجعل هذه المساجد خلال الصيف كله حلقا لذكر الله حلقا لدراسة كتاب الله جل وعلا، إذا خرج ولدك من عطلة الصيف ومعه حزب من القرآن الكريم فوالله فكأنما قد حيزت له الدنيا بحذافرها، لأنه علاوة على تعلم كلمات الله ونطق بأحرف نزل بها القران الكريم، فهو يدرب لسانه على العربية. وتعلم العربية عند الأطفال أزمة في الواقع، فلا يمكن ان يبقى الانسان هكذا ازاء هذا الامر لابد ان أبادر أنا إن كانت فعلا لي عاطفة على ابنائي واعلم ابنائي العربية، وإذا لم أملك القدرة نعلم العربية أستأجر من يعلمهم العربية. والعربية هي مفتاح الدين وكلماتها هي التي تتضمن مفاهيم الدين والإسلام، وعند تعلمك القرآن فقد ضمنت حدا معينا من الكلمات العربية. وما حاول الغرب بشتى وسائله الظاهرة والمخفية أن يعزلنا عن القران إلا لهذين السببين، لأن القران هو كتاب الله تعالى وكلامه المنزل على عبده المتلو بين عباده إلى يوم القيامة يصلنا مباشرة بالله جل وعلا، ولأنه أيضا بلسان عربي مبين يصلك بالأمة والتراث. العربية في حد ذاتها لا قداسة لها من حيث هي عربية، ولكن مذ أن نزل بها قول الله جل وعلا إقرأ إلى خاتمة القران الكريم تنزلا صارت لغة أخرى، ما بقيت ملك لأي إنسان لم تعد ملكا للبشر ولا لقبيلة ولا لفصيلة ولم يعد لها انتماء بشري اطلاقا وانما صارت لغة القران. و الواقع يدل على هذا، من الآن من الشعوب العربية فعلا تتكلم العربية؟ لا أحد ولكن بقي القران وحده دون سواه يفرض وجوبا لا خيار لنا فيه ان نقرأ العربية لأنها دين، انتمائها رباني الهي رحماني ولذلك يخطئ من يظن ان تعلم العربية نافلة.

يجب ان نعود إلى عربيتنا إلى لغة القرآن الكريم إلى لغة الإسلام، إذا لم اُمضي الصيف في مثل هذا ففيما امضيه اذا؟ في تدمير وقت عمري وتدمير بدني بالموبقات والمصائب أو في تبذير المال في الحرام بلا حساب أو التنكر التام للمعلومات والمكونات الثقافية والهوية الوطنية الاسلامية المغربية. فسيكون الانسان إذا على مستوى خطير من التدمير حينما يوفر توفيرا باذخا لأبنائه اسباب الخراب بدل ان يسد عليهم اسباب الخراب ويفتح لهم اسباب الصلاح والفلاح.

من الاشياء اللافتة للانتباه ان الجيل المعاصر ثقافته ثقافة بصرية، حيث العين هي أهم ما يشتغل بالدرجة الأولى، وهذا علمنا نوع من الكسل، وكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من بين ما يستعذ به منه الكسل ‘واعوذ بك من العجز والكسل’. فمن اسباب الكسل الخطيرة المدمرة فعلا هو الاستغراق في المشاهدات، يعني التلفزيون والانترنيت وكل ما يسمى صورة. ولا أقول الصورة الفاجرة او الصورة التي تدمر الاخلاق، بل اتحدث باطلاق الصورة، حتى ولو كانت الصورة متدينة. الصورة مخربة مدمرة، كيف ذلك؟ الله جل وعلا حينما قال “اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرا وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم” وقال “نون والقلم وما يسطرون”، أولم يكن جل وعلا عليما سبحانه وهو العليم بما كان وبما سيكون بان الحضارة البشرية سياتي عليها حين من الدهر تكون لها وسائل اخرى منافسة للكتاب و الورق والقرطاس و الاسطر؟ بلى وهو العليم الخبير سبحانه وتعالى، ولكن هو تنبيه لأهمية النص اللغوي. نحن المسلمين حضارة نص، بداية حضارتنا كانت بالنص المكتوب المقروء. حينما تقرأ الكتاب، كنتَ صغيرا او كهلا، واضح جدا ان قارئ الكتاب يشارك الكاتب في تأليف الصورة، عندما تبدا قراءة اي كتاب، بدء بكتاب الله جل و علا حينما يحدثك عن الجنة والنار وعن الدنيا والاخرة وعن المزارع وعن الثمار وعن كل الاشياء التي هي في الكون، فانت في تلك اللحظة تصنع الصورة، فخيالك حينها يشتغل وهذا من اساليب التربية العظيمة التي تُفتق العبقرية. عندما تأتي أنت بالصورة جاهزة حاضرة تقتل مخيالي تفكر في موضعي لا تترك لي مجالا لأفكر، لن استطيع بعد ذلك ان ابدع ولا ان انشئ شيئا وأصير مستهلكا على كل المستويات ولهذا قلت الصورة مدمرة بالمعنى التربوي البيداغوجي للكلمة. فالإسراف في التعامل مع الصور مرض خطير ومن الاسباب التي ادت الى هذا العجز الذي نجده لدى الجيل، هذا الجيل الذي يستهلك الصورة بكمية كبيرة، كيف تريد لمخياله أن يتكون و يفكر التفكير السليم و التعبير السليم.

وجب أن نعطي فرصة لأولادنا ونفوسنا نقرأ الكتاب مرة اخرى نعود الى “نون والقلم وما يسطرون” نعود الى الذي “علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم”. خراب المكتبات مؤشر أن الأمة تسير نحو الانحدار. يجب أن نقرأ يجب أن نعود الى الكتاب أجلس مع ولديو أعلمه النص العربي، يتعلم من جديد أن يقرأ السطر ويتعامل مع السطر ومع الكلمة، الكلمة مقدسة الكلمة النظيفة الكلمة المتوضئ الكلمة المؤمنة تصنع الحضارة فعلا وتصنع الانسان ولذلك من دو ن إنسان من يحمل الدين. إذا واجب أن نفكر كيف نحاصر ذلك التلفزيون، نسترجع منه حقنا الذي سلبته وسائل الاعلام كلها التي تستخدم الصورة. ندخل إلى حياتنا الكتاب، لنشتري من جديد الكتاب ونرجع الحياة للإنسان، عندما تذهب إلى السوق تتسوق الخضروات و ما يحتاجه فأنت تقتني ايضا الكتاب.

والصيف مناسبة، ليست هناك برامج دراسية تقيدك، عندك حرية مطلقة في ان تفعل ما تشاء وان تقرا ما تشاء ولهذا اذا جمعنا الصيف بين هذين الامرين: تعلم وتعليم القران الكريم والرجوع الى النصوص العربية من جديد، نقرأ الكتاب مرة اخرى و نزيل العقدة النفسية الحاصلة عند الأطفال، عقدة نفسية مع الكتاب و كأن الكتاب بعبع يخيف، صار الكتاب يخيف الاطفال والشباب والطلبة و كأنه عقوبة، وقد كان لذة ومتعة عند السلف وعند السابقين وخير جليس في الزمان كتاب، وقبل ذلك كتاب الله واضح ناطق صريح بهذا.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد و آله و صحبه أجمعين.

شارك المحتوى

إرسال التعليق

لا يفتك الإطلاع على المحتوى التالي